فصل: فَصْل فِي شَرْحِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الشعراوي:

قال رحمه الله:
{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}.
وكان القوم الذي فاتهم شرف الاشتراك في بدر قد أرادوا ان يذهبوا مع الرسول للمشاركة في غزوة أُحُد، ويوضح لهم الحق: أكنتم تظنون أن تمنى المعارك وحده يحقق النصر، وهل كنتم تظنون أن كل معركة يدخلها المؤمنون لابد أن تكون منتصرة؟ وإن كنتم تظنون أن المسألة هي نصر لمجرد التمني، فمعنى ذلك أنكم دخلتم إلى معسكر الإيمان من أجل الفأل واليُمن والنصر، ونحن نريد ان نعرف من الذي يدخل معسكر الإيمان وهو بائع روحه وهو مُحتسب حياته في سبيل الله.
فلو أن الأمر يمر رخاء، لدخل كل واحد إلى معسكر الإيمان، لذلك يقول الحق: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}. فهل ظننتم أنكم تدخلون الجنة بدون أن يُخرج الحق على الملأ ما علمه غيبا، وتترجمه الأحداث التي يجريها سبحانه فيصير واقعا وحُجة عليكم، ويبرز الله سبحانه من الذين جاهدوا؛ أي دخلوا في زُمرة الحق، والذين صبروا على الأذى في الحق.
ويقول سبحانه: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ} أي إن ما كنتم تتمنونه قديما صار أمامكم، فلو أن التمني كان صحيحا لأقبلتم على الموت كما تقبلون على الحياة. ويقول سبحانه من بعد ذلك: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)}.
أخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس. أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: ليتنا نقتل كما قتل أصحاب بدر ونستشهد. أو ليت لنا يومًا كيوم بدر نقاتل فيه المشركين، ونبلى فيه خيرًا، ونلتمس الشهادة والجنة والحياة والرزق. فأشهدهم الله أحدًا، فلم يلبثوا إلا من شاء منهم فقال الله: {ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: غاب رجال عن بدر، فكانوا يتمنون مثل بدر أن يلقوه فيصيبوا من الأجر والخير ما أصاب أهل بدر، فلما كان يوم أحدٍ ولَّى من وَلَّى، فعاتبهم الله على ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الربيع وقتادة قالا: أن أناسًا من المؤمنين لم يشهدوا يوم بدر والذي أعطاهم الله من الفضل، فكانوا يتمنون أن يروا قتالًا فيقاتلوا، فسيق إليهم القتال حتى إذا كان بناحية المدينة يوم أحد؛ فأنزل الله: {ولقد كنتم تمنون الموت} الآية.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: بلغني أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: لئن لقينا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لنفعلن ولنفعلن... فابتلوا بذلك، فلا والله ما كلهم صدق الله. فأنزل الله: {ولقد كنتم تمنون الموت} الآية.
وأخرج عن السدي قال: كان ناس من الصحابة لم يشهدوا بدرًا، فلما رأوا فصيلة أهل بدر قالوا: اللهم إنا نسألك أن ترينا يومًا كيوم بدر، نبليك فيه خيرًا. فرأوا أُحُدًا فقال لهم {ولقد كنتم تمنون الموت} الآية. والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (144):

قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا وَسَيَجْزِي الله الشَّاكِرِينَ (144)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير: فانهزمتم عندما صرخ الشيطان كذبًا: ألا إن محمدًا قد قتل! ولم يكن لكم ذلك فإنكم إنما تعبدون رب محمد الحي القيوم وتقاتلون له، وأما محمد فما هو بخالد لكم في الدنيا قال: {وما محمد إلا رسول} أي من شأنه الموت، لا إله، ثم قرر المراد من السياق بقوله: {قد خلت} أي بمفارقة أممهم، إما بالموت أو الرفع إلى السماء، ولما كان المراد أن الخلو منهم إنما كان في بعض الزمان الماضي لما مضى أثبت الجار فقال: {من قبله الرسل} أي فيسلك سبيلهم، فاسلكوا أنتم سبيل من نصح نفسه من أتباعهم فاستمسك بنورهم.
ولما سبب عن ذلك إنكار انهزامهم ودعتهم على تقدير فقده أنكر عليهم بقوله: {أفإن} ولما كان الملك القادر على ما يريد لا يقول شيئًا وإن كان فرضًا إلا فعله ولو على أقل وجوهه، وكان في علمه سبحانه أنه صلى الله عليه وسلم يموت موتًا- لكونه على فراشه، وقتلًا- لكونه بالسم، قال: {مات} أي موتًا على الفراش {أو قتل} أي قتلًا {انقلبتم} أي عن الحال التي فارقكم عليها فأضعتم مشاعر الدين وتركتم مشاريع المرسلين! ثم قرر المعنى بقوله: {على أعقابكم} لئلا يظن أن المراد مطلق الانتقال وإن كان على الاستواء والانتقال إلى أحسن {ومن} أي انتقلتم والحال أنه من {ينقلب على عقبيه} أي بترك ما شرعه له نبيه أو التقصير فيه {فلن يضر الله} أي المحيط بجميع العظمة {شيئًا} لأنه متعالٍ عن ذلك بأن الخلق كلهم طوع أمره، لا يتحركون حركة إلا على وفق مراده، فلو أراد لهداهم أجمعين، ولو أراد أضلهم أجمعين، وإنما يضر ذلك المنقلب نفسه لكفره بالله، وسيجزي الله الشاكرين، ومن سار ثابتًا على المنهج السوي فإنما ينفع نفسه لشكره لله {وسيجزي الله} أي الذي له جميع صفات الكمال {الشاكرين} أي كلهم، فالآية من الاحتباك: أثبت الانقلاب وعدم الضر أولًا دليلًا على حذف ضده ثانيًا، والجزاء ثانيًا دليلًا على حذف مثله أولًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عطية:

هذا استمرار في عتبهم، وإقامة لحجة الله عليهم، المعنى: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول كسائر الرسل، قد بلغ كما بلغوا، ولزمكم أيها المؤمنون العمل بمضمن الرسالة وليست حياة الرسول وبقاؤه بين أظهركم شرطًا في ذلك، لأن الرسول يموت كما مات الرسل قبله، و{خلت} معناه مضت وسفلت، وصارت إلى الخلاء من الأرض.
وقرأ جمهور الناس {الرسل} بالتعريف، وفي مصحف ابن مسعود {رسل} دون تعريف، وهي قراءة حطان بن عبد الله، فوجه الأولى تفخيم ذكر الرسل، والتنويه، بهم على مقتضى حالهم من الله تعالى، ووجه الثانية، أنه موضع تيسير لأمر النبي عليه السلام في معنى الحياة، ومكان تسوية بينه وبين البشر في ذلك، فجي تنكير {الرسل} جاريًا في مضمار هذا الاقتصاد به صلى الله عليه وسلم، وهكذا يفعل في مواضع الاقتصاد بالشي، فمنه قوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13] وقوله تعالى: {وما آمن معه إلا قليل} [هود: 40] إلى غير ذلك من الأمثلة، ذكر ذلك أبو الفتح، والقراءة بتعريف {الرسل} أوجه في الكلام. اهـ.

.قال الفخر:

قال ابن عباس ومجاهد والضحاك: لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بأحد أمر الرماة أن يلزموا أصل الجبل، وأن لا ينتقلوا عن ذلك سواء كان الأمر لهم أو عليهم، فلما وقفوا وحملوا على الكفار وهزموهم وقتل علي طلحة بن أبي طلحة صاحب لوائهم، والزبير والمقداد شدا على المشركين ثم حمل الرسول مع أصحابه فهزموا أبا سفيان، ثم إن بعض القوم لما أن رأوا انهزام الكفار بادر قوم من الرماة إلى الغنيمة وكان خالد بن الوليد صاحب ميمنة الكفار، فلما رأى تفرق الرماة حمل على المسلمين فهزمهم وفرق جمعهم وكثر القتل في المسملين، ورمى عبدالله بن قميئة الحارثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه، وأقبل يريد قتله، فذب عنه مصعب بن عمير وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد حتى قتله ابن قميئة، فظن أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قد قتلت محمدا، وصرخ صارخ ألا إنَّ محمدا قد قتل، وكان الصارخ الشيطان، ففشا في الناس خبر قتله، فهنالك قال بعض المسلمين: ليت عبدالله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.
وقال قوم من المنافقين: لو كان نبيا لما قتل، ارجعوا إلى إخوانكم والى دينكم، فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: يا قوم إن كان قد قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه، ثم قال: اللهم اني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، ثم سل سيفه فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى، ومر بعض المهاجرين بأنصاري يتشحط في دمه، فقال: يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل، فقال: إن كان قد قتل فقد بلغ، قاتلوا على دينكم، ولما شج ذلك الكافر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته، احتمله طلحة بن عبيدالله، ودافع عنه أبو بكر وعلي رضي الله عنهم ونفر آخرون معهم، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل ينادي ويقول: إلى عباد الله حتى انحازت اليه طائفة من أصحابه فلامهم على هزيمتهم، فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا، أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا فولينا مدبرين، ومعنى الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل} فسيخلو كما خلوا، وكما أن أتباعهم بقوا متمسكين بدينهم بعد خلوهم، فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوه، لأن الغرض من بعثة الرسل تبليغ الرسالة والزام الحجة، لا وجودهم بين أظهر قومهم أبدا. اهـ.

.قال القرطبي:

أكرم الله نبيه صلى الله عليه وسلم (وصفيّه) باسمين مشتقّيْن من اسمه: محمَّد وأحْمَدُ، تقول العرب: رجل مَحْمُودٌ ومُحَمَّد إذا كثُرت خصاله المحمودة، قال الشاعر:
إلى الماجِد القَرْمِ الجَوَاد المحَمّدِ ** وقد مضى هذا في الفاتحة.

وقال عباس بن مِرداس:
يا خاتِم النُّبَاءِ أنك مُرْسَلٌ ** بالخَيْر كلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُداكا

إن الإله بنَى عليك مَحبَّةً ** في خَلْقِه ومُحَمّدًا سَمّاكا

.قال الألوسي:

ومحمد علم لنبينا صلى الله عليه وسلم منقول من اسم المفعول من حمد المضاعف لغة سماه به جده عبد المطلب لسابع ولادته لموت أبيه قبلها ولما سئل عن ذلك قال لرؤية رآها: رجوت أن يحمد في السماء والأرض، ومعناه قبل النقل من يحمد كثيرًا وضده المذمم، وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ألم تروا كيف صرف الله تعالى عني لعن قريش وشتمهم يشتمون مذممًا وأنا محمد».
وقد جمع هذا الاسم الكريم من الأسرار ما لا يحصى حتى قيل: أنه يشير إلى عدة الأنبياء كإشارته إلى المرسلين منهم عليهم الصلاة والسلام وعبر عنه صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم هنا لأنه أول أسمائه وأشهرها وبه صرخ الصارخ. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومحمد اسم رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم سمَّاه به جدّه عبد المطلب وقيل له: لِمَ سَمّيتَه محمّدًا وليس من أسماء آبائك؟ فقال: رجوت أن يحمده النَّاس.
وقد قيل: لم يسمّ أحد من العرب محمدًا قبل رسول الله.
ذكر السهيلي في الروض أنه لم يُسمّ به من العرب قبل ولادة رسول الله إلاّ ثلاثة: محمد بن سفيان بن مجاشع، جدّ جدّ الفرزدق، ومحمد بن أحَيْحَةَ بن الجُلاَح الأوسي، ومحمد بن حمران مِن ربيعة.
وهذا الاسم منقول من اسم مفعول حَمَّده تحميدًا إذا أكثر من حمده، والرسول فَعول بمعنى مَفعول مثل قولهم: حَلُوب ورَكوب وجَزور. اهـ.

.قال الفخر:

قال أبو علي: الرسول جاء على ضربين:
أحدهما: يراد به المرسل، والآخر الرسالة، وهاهنا المراد به المرسل بدليل قوله: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} [البقرة: 252] وقوله: {يا أيها الرسول بَلّغْ} [المائدة: 67] وفعول قد يراد به المفعول، كالركوب والحلوب لما يركب ويحلب والرسول بمعنى الرسالة كقوله:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم ** بسر ولا أرسلتهم برسول

أي برسالة، قال: ومن هذا قوله تعالى: {إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ} [طه: 47] ونذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. اهـ.

.كلام نفيس لابن القيم:

قال عليه الرحمة:

.فَصْل فِي شَرْحِ مَعَانِي أَسْمَائِهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّمَ:

اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ حَمِدَ فَهُوَ مُحَمّدٌ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْخِصَالِ الّتِي يُحْمَدُ عَلَيْهَا وَلِذَلِكَ كَانَ أَبْلَغ مِنْ مَحْمُودٍ فَإِنّ مَحْمُودًا مِنْ الثّلَاثِيّ الْمُجَرّدِ وَمُحَمّدٌ مِنْ الْمُضَاعَفِ لِلْمُبَالَغَةِ فَهُوَ الّذِي يُحْمَدُ أَكْثَرَ مِمّا يُحْمَدُ غَيْرُهُ مِنْ الْبَشَرِ وَلِهَذَا- وَالله أَعْلَمُ- سُمّيَ بِهِ فِي التّوْرَاةِ لِكَثْرَةِ الْخِصَالِ الْمَحْمُودَةِ الّتِي وُصِفَ بِهَا هُوَ وَدِينُهُ وَأُمّتُهُ فِي التّوْرَاةِ حَتّى تَمَنّى مُوسَى عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ أن يكون مِنْهُمْ وَقَدْ أَتَيْنَا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى بِشَوَاهِدِهِ هُنَاكَ وَبَيّنّا غَلَطَ أَبِي الْقَاسِم السّهَيْلِيّ حَيْثُ جَعَلَ الأمر بِالْعَكْسِ وَأَنّ اسْمَهُ فِي التّوْرَاةِ أَحْمَد.